(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. logo    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
تفسير سورة الكهف
45204 مشاهدة print word pdf
line-top
قصة السفينة

فأولها: السفينة، يقول الله تعالى: فَانْطَلَقَا يعني: صار موسى والخضر ولم يذكر الفتى؛ لأنه تابع لموسى فيعتبر كأنه تبع موسى، انطلق موسى والخضر
حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ مرا بسفينة، فطلبا أن يركباها، أهل السفينة يعرفون الخضر فلما عرفوا الخضر أركبوهما بغير أجرة، بغير نَوْلٍ، لم يطلبوا منهما نولا ولا عطاء، وهذا دليل على أن هناك من يعرف الخضر ويعترف بفضله، ويعترف بعلمه، وأن أهل تلك السفينة من المسلمين المتبعين للخضر الذين على دينه، وعلى طريقته؛ فلهذا عرفوه، فأركبوه بغير نول، ولما أركبوه رق لهما، وخاف أنهما يُسْلَبان هذه السفينة، فلما ركبا في السفينة، كان مع الخضر فأس، فعمد إلى لوح من ألواح السفينة، فخرق ذلك اللوح، كسره، وأزاله عن موضعه، وجعله في موضع آخر؛ ليكون عيبا ظاهرا في هذه السفينة.
فلما رأى موسى ذلك منه تعجب، أن هؤلاء حملونا بغير أجرة، وعمدت إلى سفينتهم فأفسدتها، وجعلت فيها هذا الخرق لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا أي: شيئا غريبا، حيث عمدت إليها؛ لتفسدها، وتغرق أهلها، لأن العادة أن السفينة تجري في لجة البحر، وأنه إذا كان فيها خرق فقد تأتي إلى مكان عميق فيه أمواج، وفيه اضطرابات، ثم إن تلك الأمواج قد ترفع الماء إلى ذلك الخرق فيدخل في وسط السفينة، وإذا دخل فيها، وامتلأت من الماء رسبت، غرقت، وغاصت إلى أسفل الماء وإلى لجته؛ فيغرق أهلها، وتغرق البضائع والأمتعة التي فيها؛ فتكون أنت السبب، لأنها كانت قبل ذلك سفينة صالحة.
ولما عجل موسى بالإنكار قبل أن يسأله ذكره بتلك المقالة التي اشترطه عليه، بقوله: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يقول: أما تذكر أنني ذكرتك، وقلت لك: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا فهذا تسرعك، وهذا أمرك، وهذا من عجبك، وإنكارك لشيء لا تعرفه؛ فأنا أعرف السبب، وأنت لا تعرفه، فذكره بذلك.
ولما ذكره تذكر موسى تلك الكلمة، واعتبر هذا نسيانا منه، وغفلة عن تلك الجملة التي أخذها عليه، واشترط عليه، فقال: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ فقد نسيت شرطك علي، وغفلت عن ما طلبت مني، نسيت شرطك؛ فاعف عني.
لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ولا تكلفني مشقة لا أتحمل الصبر معها، وتطردني بذلك وتردعني، فعند ذلك عذره الخضر ولكن لم يبين له أمر خرق السفينة إلا فيما بعد.

line-bottom